تعد قلعة مويلح قلعة أثرية ذات رمزية تاريخية هامة، وقد سميت بهذا الاسم لوقوعها في محيط قرية المويلح، وهي قرية تتبع مدينة ضباء بمنطقة تبوك، وقديمًا كانت قلعة المويلح واحدة من المحطات الرئيسية على الطريق الساحلي للحج، كما كانت في عصور أخرى متأخرة أحد بوابات الشمال الهامة، ومن خلال هذه السطور سنتعرف عن قرب على قرية المويلح باعتبارها أحد المعالم الأثرية الهامة بالمملكة
عناصر المقال
بناء قلعة المويلح
شيدت قلعة المويلح في عهد سليمان القانوني سلطان الدولة العثمانية في عام 968ه، وقد تمتعت القلعة بالعمران لمدة بلغت أربع قرون زمنية، وهي واحدة من قلاع المملكة السعودية الكبرى بحسب رأي المؤرخين.
أين تقع قلعة المويلح؟
تقع قرية المويلح في موقع متميز على ساحل البحر الأحمر من جهة الشرق، على مشارف قرية المويلح شمال مدينة الضباء، وتبعد عنها 45 كم، وعلى بعد 199 كم من تبوك، والمسافة بينها وبين جبل شار حوالي 20 كم، ويمتاز موقعها بكثافة أشجار النخيل فيه، كما يقع بالقرب منها قلعة الأزلم، وقلعة ضباء.
كم تبعد المويلح عن تبوك
على بعد 199 كم من تبوك
وصف قلعة المويلح:
بنيت قلعة المويلح على مكان مرتفع فكانت منبر للاستطلاعات من كل الجهات، وللقلعة أربع أبراج، وكل برج نصف قطره 5 أمتار تقريبًا، وكل برج من هذه الأبراج سطحه العلوي يوجد به سبع فتحات خصصت للمدافع، وبين كل برج ونظيره يمتد سور به فتحات صغيرة خصصت للبنادق، وتفصل كل فتحة عن الأخرى مسافة تقدر بمتر واحد فقط.
وتحتوي القلعة على ما يتجاوز سبعين غرفة، ويوجد بالقلعة مسجد لأداء الصلوات، وعدد من المخازن ، كما يوجد بها بئر للمياه، وقد زين مدخل القلعة الرئيسي بالنقوش القديمة، وقد بنيت القرية بأمر من سليمان شاه أحد سلاطين الدولة العثمانية، وهو نجل السلطان سليم، وحفيد السلطان بايزيد.
كم مرة تم ترميم قلعة المويلح؟
تم ترميم قرية المويلح على مدى تاريخها ثلاثة مرات، بينهم كالتالي:
- المرة الأولى: وقد تم ترميم قلعة المويلح للمرة الأولى عام 1185 ه، وقد أشرف على أعمال الترميم الشريف السيد المويلحي وكان وكيلًا للقلعة حينها.
- المرة الثانية : وتمت بأمر الحكومة الخديوية عام 1236 ه، وأشرف وكيل القلعة على أعمال الترميم.
- المرة الثالثة : وفي عهد اسماعيل باشا كانت المرة الثالثة لترميم قلعة المويلح ووافق ذلك العام الهجري 1281 .
متى تسلمت قرية المويلح للسعودية؟
ضمن بنود اتفاقية تسليم الحجاز -المبرمة بين الملك عبد العزيز والملك الشريف- جاء تسليم قلعة المويلح، وكان ذلك أول جمادى الآخر في عام 1344ه بمدينة جدة.
قلعة المويلح والحركة التجارية:
ساهم موقع القلعة المتميز على الطريق الساحلي للحج في تنشيط حركة التجارة، وقد كان حفر الآبار الذي عقب بناء القلعة سببًا في تغلب السكان على مشكلة ملوحة المياه، وقد كانت قلعة المويلح تمتدح بحلاوة الماء فيها وبعمرانها بالسكان.
وقد قدرت أعداد السكان في عام 1256ه بحوالي 80 عائلة، وقد كانت العائلة تقدر بنحو 40 فرد، وقد كانت بيوتهم تبنى بالطين الرملي والحجارة، وقد تميزت المويلح بكثافة نخيلها وأشجارها بالمقارنة بنظيراتها على طول بينها وبين مكة.
وقد ذكر المؤرخون في كتاباتهم أن سكان المويلح كان بعضهم يعمل بالصيد قبل أن تبنى القلعة، ولما بنيت القلعة وحفرت الآبار توجه السكان للعمل بالزراعة وساعدهم على ذلك طبيعة الأرض الخصبة في المنطقة، وكانت أهم زروعهم العنب والبطيخ والحبوب والتمور.
وقد كانت الأسواق تقام أمام القلعة فيبيع السكان ويشترون ويحصل الجميع على احتياجاتهم من البضائع والسلع، وكان التجار الذين يذهبون للتجارة في المويلح يقطنون الأكواخ أو ينصبون الخيم لإقامتهم.
وقد كان للمويلح علاقات تجارية بمصر والموانئ الواقعة على البحر الأحمر وغيرهم، وقد تغيرت عملتهم المتداولة عبر الزمن ما بين الدولار الفضي لماريا تريزا الريال الفرنسي والقرش والريال الإسباني وغيرهم.
تعرف ايضا علي : القلعة العثمانية في فرسان
المويلح كما يروي المؤرخين والرحالة:
ذكر د. جواد علي في كتاب أن المدينة البيضاء كانت ميناء تجاري هام في عهد البطالسة، وكانت السفن تتجه منها إلى سواحل مصر لتفريغ حمولتها هناك، ويقوم بنقلها القوافل أو السفن من خلال القناة الواصلة بين نهر النيل والبحر الأحمر، ثم تواصل طريقها حتى موانئ المتوسط.
أما وينست فقد ذكر أن المدينة البيضاء هي نفسها المويلح حاليًا، وللمويلح طريقًا للقوافل يؤدي إلى المدينة وتبوك.
أما فضل العمري فقد ذكر في موسوعته “نبك” وقال تسمى “المويلح” الواقعة بساحل قلزم (وهو البحر الأحمر قديمًا) ذو الماء الرديء المالح الذي لا يحيه الشارب والذي لو أكثر منه أصيب بالإسهال لملوحته الشديدة، وكان ذلك في زمن سبق حفر الآبار العذبة وبناء القلعة.
وعندما قام الجزيري بزيارة المويلح وكان ذلك عام 955 تتحدث عنها كثيرًا وفي أكثر من موضع، فقد ذكر ما كان يرد إليها من السلع والبضائع، وكيف أصبحت أهم موارد الحجاز، وقد امتدح أهلها باللطف والود والكرم، وقد أشار الجزيري إلى كثرة اللصوص حولهاً ليلًا.
وقد نقل العياشي عن الشيخ البكري ما قاله عن رحلته إلى المويلح حيث كانت السفن تمتد من سواحلها حتى السويس والطور، وحكى عن البضائع والمخازن والودائع، وقد كانت رحلة العياشي في عام 1090 ه وسميت “ماء الموائد”.
وفي عام 1193 ه قال الورثيلاني عن المويلح أنها بندر عظيم كثيرة أرزاقه، كبيرة أسواقه، لا يحصي ما فيها من أطعمة ونبات وملابس وأعلاف، ومرساه شديد النفع، وأنه من أعظم البنادر في منافعه للخاصة والعامة، حيث مدح سرعة قضاء الحاجات فيه ومنفعته الكبيرة للناس.
أما عن الموسوي في عام 1012ه وشهرته كبريت، فقد قال عن المويلح أنه لا يعام من أين أتى الاسم أمن الملاحة أم من الملوحة، وقد وصف ساحلها بالرقي وماءها بالعذوبة والصفاء، وأهلها بالمحبة والدفء، وقد قال فيها أنه لم يشعر فيها أبدًا بالجفاء، وقد وصفها باخضرار جوانبها العائد إلى كثرة زروعها وفروعها، وقد وصف الحياة في المويلح بالرخاء الذي لا يوجد في مكان غيره، وأنها تكثر فيها الأسماك الطرية والفاكهة الهنية.
وقد قام الرحالة محمد صادق المصري الجنسية بزيارتها في رحلة المحمل من مصر إلى الحج وكان ذلك في عام 1297ه، وقد تكلم عن قلعة المويلح وكم هي منيعة حصينة، وتحدث عن مسجدها ومخازنها، وأن حاميتها تتكون من 23 عسكري، وقد وصف القلعة طولًا وعرضًا، وتكلم عن مدافعها والآبار والسكان بها، ومدح هواها وبساتينها وماءها.
وقد قام العديد من المؤرخين والرحالة بزيارة المويلح وقلعتها وكتبوا عنها في كتبهم ومدحوها فلم يوفوها حقها، ومنهم فالين، وعبد الله فيلبي، وريتشارد بيرتون وآخرين.
وإلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية رحلتنا عبر تاريخ المويلح مدينة وقلعة، ذلك المكان الذي يمثل معلمًا أثريًا وتاريخيًا هامةً للمملكة السعودية والذي حبته الطبيعة بصفات ميزته، وقد أتت أهمية قلعة المويلح من أنشطتها التجارية الواسعة وتنوع محاصيلها الزراعية، وتنوع الحياة المهنية، بالإضافة لدورها كمركز للاستطلاعات وحصن منيع، بالإضافة لوقوعها كمحطة على طريق الحج، لقد حظي ذلك المكان العظيم بتاريخ حافل لم يحظى به سواه وقد تمتع بالعمران على مدى أربعة قرونة متعاقبة.